الجبال أوتاد الأرض الخفية


 الجبال أوتاد الأرض الخفية

 

تعتبر سورة "النبأ" من السور المكية، وتتناول بشكل أساسي يوم القيامة، والخلق الإلهي، والعلامات الواضحة على وجود الله.

يقول الله في الآيتين 6 و7:

"أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَادًا وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا"

غالبًا ما يُدعى الإنسان في القرآن الكريم إلى التأمل في الخلق الذي يحيط به، باعتباره علامة واضحة على القدرة الإلهية المطلقة. وفي سورة النبأ، توضح الآيتان 6 و7 هذا المبدأ من خلال الإشارة إلى الأرض والجبال. ويذكرالله هنا أن الأرض قد جعلت مستقرة وصالحة للسكن، وأن الجبال تلعب دورًا مشابهًا للأوتاد، مما يضمن توازن القشرة الأرضية.

وهكذا، تثير هذه الآيات تفكيرًا حول تناغم العالم الطبيعي ودوره في إظهار النظام الذي أراده الخالق. ويمكننا أن نتساءل كيف تشهد هذه الآيات على الحكمة الإلهية وقدرته المطلقة على الخلق؟

يقودنا ذلك إلى فحص دور الجبال في توازن الأرض من جهة، ومعناها الروحي في الرسالة القرآنية من جهة أخرى.

وتنتمي هاتان الآيتان إلى مقطع يذكر فيه الله علامات خلقه، منبهًا الناس إلى نعم الأرض والكون.

 

التفسير العلمي لـ "الأوتاد"

إن الكلمة العربية "مهادًا"، المترجمة إلى "طبقة"، توحي بسطح مستقر وصالح للسكن، ومناسب للحياة البشرية. هذه الفكرة تذكرنا بأن الأرض قد جعلت مواتية للوجود بإرادة إلهية.

يشير مصطلح "أوتادًا" إلى الأوتاد أو المراسي المستخدمة لتثبيت خيمة بإحكام في الأرض. هذه الكلمة توضح صورة الجبال كهياكل عميقة ومرسخة، تثبت القشرة الأرضية.

لقد اكتشف الجيولوجيون المعاصرون أن الجبال لها جذور عميقة تمتد إلى الغلاف الصخري، تشبه الأوتاد تحت السطح. إنها تلعب دورًا حيويًا في الاستقرار التكتوني عن طريق تقليل تأثير حركات الصفائح الأرضية.

تُعرف هذه الظاهرة باسم التوازن الأرضي (الإيزوستازي)، وهو مبدأ في الجيوفيزياء يشرح كيف تطفو القشرة الأرضية على الوشاح اللزج. تعمل سلاسل الجبال كمثبتات، وهو ما يتوافق مع الصورة المقدمة في الآية.

لقد تطور مفهوم أن الجبال لها جذور عميقة تمتد إلى الغلاف الصخري، تشبه الأوتاد، تدريجيًا منذ القرن التاسع عشر من خلال التطورات في الجيولوجيا والجيوفيزياء.

في منتصف القرن التاسع عشر، اقترح جورج بي آيري (1855) وجون إتشبرات نظرية التوازن الأرضي، موضحين أن الجبال تمتلك جذورًا عميقة تحتالوشاح الأرضي.

في القرن العشرين، ومع تطور علم الزلازل، أكدت الدراسات أن الجبال لها بنية على شكل سندان مقلوب، تغوص عميقًا في الوشاح الأرضي. عززت تكتونية الصفائح (في ستينيات القرن الماضي) هذا الفهم، موضحة أن الجبال، من خلال تصادم الصفائح وانزلاقها، تغوص في الغلاف الموري.

ونتيجة لذلك، أكد الجيولوجيون المعاصرون هذه الظاهرة بشكل رئيسي في القرن العشرين، بفضل تقنيات علم الزلازل وتصوير القشرة الأرضية. ومعذلك، فقد تم وضع النظرية العامة للتوازن بين كتلة الجبال وعمقها في الأرض منذ القرن التاسع عشر.

تحث الآيتان 6 و7 من سورة "النبأ" على التأمل في الخلق والنظام الذي يحكم الكون. وتذكران بأن لا شيء يُترك للصدفة، وأن الأرض قد شُكلت بحكمة لضمان الحياة البشرية.

بالإضافة إلى ذلك، فإن صورة الجبال الراسخة تدعو إلى تفكير أعمق.

فكما أن الجبال تثبت الأرض، فإن الإيمان بالله يثبت قلب المؤمن.

وفي الختام، توضح الآيتان 6-7 من سورة "النبأ" الحكمة الإلهية في خلق العالم. ومن خلال أوصاف بسيطة ولكن دقيقة، فإنهما تثير وعيًا حول تناغم الكون وتكيفه المثالي مع الحياة. هذا النهج يجمع بين العلم والروحانية والتفكير، مظهرًا أن الطبيعة هي علامة على عظمة الله.

إنه لأمر مدهش أن نرى أن القرآن، الذي أنزل منذ أكثر من 1400 عام، يصف بدقة بنية الجبال قبل أن يكتشفها العلم الحديث. في زمن كانت فيه هذه المعرفة بعيدة المنال تمامًا عن البشر، كيف كان بإمكان النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) أن يخترعها؟ هذا التطابق بين الحقائق العلمية والوحي القرآني يشهد على الأصل الإلهي للرسالة، مثبتًا أن القرآن لا يمكن أن يكون إلا كلام الله، الذي أنزله على رسوله لهداية البشرية.

لذا، تدعونا هذه الآيات إلى التأمل في كمال الخلق وتعزيز امتناننا لخالقنا.

Commentaires

Articles les plus consultés