الزلزلة (Ez-Zilzal)



 الزلزلة (Ez-Zilzal)


تُعتبر سورة الزلزلة من أكثر السور تأثيرًا في القرآن الكريم، رغم قِصَرها. فهي تصف يوم القيامة بوصفٍ مُذهل، ذلك اليوم الذي سترتجف فيه الأرض وتُخرج كل ما في باطنها. وتُعدّ هذه السورة تذكيرًا قويًا بالعدالة الإلهية ومسؤولية الإنسان الفردية. سنقوم بتحليل رسالتها من خلال ثلاثة محاور رئيسية: وصف الزلزال، كشف أعمال البشر، والعدالة الإلهية المُطلقة

 الزلزال المُعلِن ليوم الحساب-I

تصوّر الآيات الأولى مشهدًا مروّعًا

"إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا، وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا"

إن تكرار الكلمات وقوتها يُجسّدان عِظَم هذا الحدث. فهذا الزلزال ليس مجرد ظاهرة طبيعية عادية، بل هو تجلٍّ للقدرة الإلهية، إيذانًا بنهاية العالم كما نعرفه. في ذلك اليوم، ستفصح الأرض—الشاهد الصامت على أفعال البشر—عن كل ما تحتويه

إن تصوير الأرض وهي “تُخرج أثقالها” يمكن فهمه حرفيًا (بمعنى خروج الموتى من قبورهم) أو رمزيًا (بمعنى كشف الأسرار والذنوب الخفية).

ويظهر الهلع في رد فعل الإنسان:

"وَقَالَ الْإِنسَانُ مَا لَهَا؟"

ذلك الإنسان الذي كان يظن أنه يُسيطر على بيئته، سيجد نفسه عاجزًا أمام هذه الكارثة. وهذا المشهد يُجسّد الإدراك المفاجئ لفناء الإنسان وعجزه التام

 الأرض شاهدة ورَاوية لأعمال البشر-II

إحدى أكثر الصور إذهالًا في هذه السورة هي تشخيص الأرض ومنحها القدرة على التحدث

"يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا، بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا"

تصبح الأرض شاهدة فاعلة على تصرفات البشر، فهي لم تنسَ شيئًا، وستنطق بأمر الله لتروي كل ما جرى عليها بدقة وصدق. هذه الفكرة تؤكد المفهوم القرآني لمسؤولية الإنسان عن أعماله، وأنه لا يمكن إخفاء أي شيء عن الله

ويذكّرنا هذا المعنى بآيات أخرى في القرآن، مثل قوله تعالى في سورة يس

﴿الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُم بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾ (يس: 65)

إن مبدأ الشهادة الشاملة يُظهر عِلم الله المُطلق، ويمنع أي إنكار أو جدال حول الأفعال التي ارتكبها الإنسان في حياته

 الجزاء العادل والمطلق-III

تُختتم السورة بتأكيد مبدأ العدل الإلهي المُطلق:

"فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ، وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ"

تشير كلمة “ذَرَّة” إلى شيء بالغ الصغر، مما يدل على أن أدق الأعمال—مهما كانت ضئيلة—لن تغيب عن ميزان الحساب الإلهي

هذا البيان يُظهر عدل الله المطلق، فلا ظلم ولا محسوبية، بل سيُجازى كل فرد وفقًا لما كسبت يداه، خيرًا كان أم شرًّا. إن هذا المبدأ يدعو إلى التحلي باليقظة الأخلاقية، حيث يؤكد أن كل تصرف يومي، مهما بدا تافهًا، له وزنه وتأثيره في الحياة الآخرة

الخاتمة

تُعتبر سورة الزلزلة تذكيرًا قويًا بيوم الحساب ومسؤولية كل إنسان عن أفعاله. ومن خلال تصوير مشهد مرعب للكارثة الكونية، تسلط السورة الضوء على دور الأرض كشاهد على أعمال البشر، وتؤكد عدالة الله المطلقة.

وتكمن قوة هذه السورة في رسالتها العالمية: كل عمل مهما كان صغيرًا له عواقب. لذا، تدعو السورة إلى التأمل في الذات والالتزام بالاستقامة في حياتنا اليومية، استعدادًا للمصير الحتمي الذي ينتظر كل فرد

• رابط كتاب PDF:

• https://payhip.com/b/OyoBI


• رابط الكتاب الورقي:

• https://www.lulu.com/fr/shop/djamal-boucherf/إذا-زلزلت-الأرض/paperback/product-rmz2y5q.html?page=1&pageSize=4

Commentaires

Articles les plus consultés