الحياة



الحياة
 ما الذي تمثّله الحياة للإنسان؟ وما قيمتها في عينيه إذا لم يعشها بكل تفاصيلها؟ حياته هي تفسيره وفهمه لما يجب أن تكون عليه الحياة. لكن، هل ما يعتقده عن الحياة هو فعلاً الحياة التي كُتبت له؟ يظن بسذاجة أن الحياة هي متعة يجب أن يستمتع بها كأي كائن بشري تقوده غرائزه البدائية. في نظره، الحياة لا تعدو أن تكون فريسة يجب اقتناصها.

من ناحية أخرى، يعتقد أن الحياة هي التي تسير في الزمن، لكن الواقع أن الزمن هو الذي يسير، وهو الذي يتقدّم. الحياة أبدية حتى يُعلن الله نهايتها. هدفه الوحيد في هذه الحياة هو أن يعيش كل لحظة، تسكره قوّته، ويرى نفسه سيداً على الحياة وعلى العالم. وتستمر هذه النظرة حتى يأتي اليوم الذي يرى فيه شعيرات بيضاء على جسده، فتكون هذه بوادر شيخوخة مرتقبة.

شيئاً فشيئاً، يبدأ جسده في الضعف، وتفقد قدماه قوتهما، وينحني ظهره، وتبدأ التجاعيد تغطي جلده. وفي تلك اللحظة، لم يعد له مكان في الأماكن التي اعتاد أن يقضي فيها أوقاته مستمتعاً. بالنسبة له، تغيّرت الحياة، ولكن في الواقع، هو الذي تغيّر. لم يعد مقبولاً إلا بين أولئك الذين يشاركونه نفس المأساة.

بمرور الوقت، بدأ عقله يفقد قدرته على تحمل جسده، رغم أن جسده تحمّله طوال حياته. شيئاً فشيئاً، بدأت شعلة روحه تفقد بريقها، إلى أن أطفأتها نسمة هواء خفيفة، فوجد نفسه في ظلمة حياة أخرى لم يستعدّ لها.

أي إنسان يسافر إلى بلد غريب ليقيم فيه، لابد أن يتعلم لغته وعاداته. فهل استعدّ صاحبنا كما ينبغي لمواجهة مصيره؟ اللغة والعادات هنا تشير ضمنياً إلى الاستعداد الروحي الذي يجب أن نعمل عليه لنكون مقبولين في الحياة الأخرى، وهي وجهتنا النهائية جميعاً.

هل خصصنا وقتاً لنتعرف على خالقنا وخالق الكون؟ هل تأملنا في هذا الذي خلقنا في أحسن تقويم، ووهبنا نعمًا جعلت حياتنا تبدو سهلة، حتى نسينا السبب الذي من أجله خُلقنا؟ بالطبع لا. لقد أجّلنا جميعاً هذا السؤال المصيري إلى وقت لاحق.

لقد مرّ كل منا بتجارب مختلفة. أكثرنا وعيًا بدأ في العمل مبكرًا، وشرع في جمع الحسنات كما تجمع النمل طعامها استعداداً لشتاء قاسٍ. أما الباقون، فقد استمروا في العيش بملء حواسهم، يتمتعون بلذّات الحياة، كما تفعل الصرصار التي تغني طوال الصيف، غافلةً أن الصيف لن يدوم طويلاً.

علينا أن نتأمل ما يقوله القرآن عن هذه الحياة. يقول الله تعالى في سورة الحديد، الآية 20:
{اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ ۖ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا ۖ وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ ۚ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ.

Commentaires

Articles les plus consultés