التحليل الجيوسياسي البسيط وتجديد الاقتصاد الجزائري
نعيش في عالم أصبحت فيه التكنولوجيا ممتدة الأذرع في جميع مجالات المجتمع. فقد قامت الهيئات الحكومية مثل الإدارة، الصحة، التعليم، والصناعة بأتمتة أنظمتها الإدارية ودفعت عملياتها إلى مستويات عالية من التطور بفضل التكنولوجيا الرقمية التي طورتها بوسائلها الخاصة لضمان تفوقها على بقية العالم. ولم يكن المجال العسكري بمنأى عن ذلك، حيث نلاحظ أن نفس الظاهرة تسود فيه. فقد أخذت المجتمعات الغربية زمام المبادرة في هذا القطاع من خلال إعادة تنظيم وتحديث جيوشها، فضلاً عن تطوير آلات الحرب والأسلحة الذكية، ما منحها الوسائل للتفوق خارج إطار المواجهات التقليدية.
وتتبع المجتمعات الآسيوية، مثل الصين، كوريا الجنوبية، اليابان وتايوان، نفس السباق نحو التقدم التكنولوجي، حيث تعمل على تنفيذ حلول تكنولوجية متقدمة في مجالات مثل تصنيع الميكروإلكترونيات (رقائق 03 ميكرومتر)، والصناعات الثقيلة بحرية، والطيران، والفضاء. والهدف من هذه المنافسة في التكنولوجيا المتقدمة هو ضمان البقاء للأجيال الحالية والمستقبلية في عالم لا يرحم في سباقه للاستحواذ على الموارد الحيوية اللازمة للوجود.
عبر استعراض تاريخ البشرية، نجد أن المجتمعات الأكثر تنظيمًا وتسليحًا كانت هي السائدة، مثل المجتمع الروماني. كما كانت المجتمعات العربية، تحت راية الإسلام في القرن السابع الميلادي، نموذجًا للنجاح حينما كانت موحدة ومنظمة، لكنها فقدت ثقلها وتأثيرها على الساحة الدولية بعد انقسامها إلى دول صغيرة تعتمد في بقائها على الموارد الطبيعية.
وفي هذا السياق، يشهد العالم العربي حالة من العجز أمام ما يحدث من مآسي وجرائم، كالإبادة التي تُمارس ضد الشعوب العربية والإسلامية، دون أن يستطيع تقديم ردٍ رادع.
من ناحية أخرى، فإن المجتمعات التي لن تتمكن من فرض نفسها من خلال الابتكار والسيطرة الصناعية على التكنولوجيا العالية ستكون عرضة للتبعية أو الهيمنة من القوى الكبرى، حتى وإن تغيرت أشكال هذه الهيمنة في العصر الحديث.
أما الجزائر، فقد تبنت سياسة جريئة في هذا المجال الاستراتيجي، حيث بدأت بتطوير صناعة موجهة نحو التصنيع الميكانيكي والإلكتروني، مما ساعدها على تلبية جزء كبير من احتياجاتها بفضل مصانع التكنولوجيا العالية وكفاءات جزائرية مائة بالمائة.
بعد سنوات من الاعتماد المفرط على الموارد الطبيعية وسوء الإدارة، شهدت الجزائر في الأعوام الأخيرة تغيرًا كبيرًا. فمنذ عام 2020، وضعت الحكومة سياسة جديدة لتقليص فاتورة الاستيراد، دعم الاستثمارات، وإطلاق المشاريع الصغيرة والمتوسطة. ورافق ذلك تعديل القوانين لتعزيز الثقة وتحسين نمط الحوكمة.
بدأت نتائج هذه السياسات تظهر تدريجيًا، حيث ارتفع مستوى المعيشة للمواطن، وزادت الثقة في المنتجات المحلية. كما شهدت قطاعات مثل الصناعة الصيدلانية والحديدية تحسنًا واضحًا. أما في الزراعة، فقد أصبحت الجزائر تعتمد على إنتاجها المحلي، مع مشروعات ضخمة في الصحراء تعتمد على الري بالتقنيات الحديثة.
وفي مجال التكنولوجيا العالية، انطلقت مشروعات ناشئة بفضل الجامعات ودعم وزارة التعليم العالي، خصوصًا في الميكروإلكترونيات والذكاء الاصطناعي. مما يتطلب فتح السوق أكثر لتمكين الشباب من الإبداع والابتكار.
تسعى الجزائر اليوم لتحرير الطاقات، عبر توفير الفرص الاقتصادية للخريجين والمستثمرين، بهدف بناء اقتصاد قوي ومستدام. ومع الجهود المبذولة في تحسين الحوكمة واستغلال الإمكانيات البشرية والطبيعية، تهدف الجزائر إلى أن تصبح أول اقتصاد ناشئ في شمال إفريقيا والعالم العربي، ليس اعتمادًا على النفط، ولكن بفضل جهود شبابها الواعد.
يمكنك متابعة قراءة المقال الكامل في الكتاب المتوفر على الرابط التالي:
• رابط كتاب PDF:
• رابط الكتاب الورقي:



Commentaires
Enregistrer un commentaire